موت أسود، واغتيالات من مسافة صفر، وتدريبات على استهداف شخصيات سياسية من العيار الثقيل على أراضي دولة اليمن، وتجنيد عناصر سابقة في تنظيم القاعدة الإرهابي، وتعاون مع مُرتزقة أمريكان لتنفيذ عمليات قذرة.
ما ذكرناه قليل من كثير كشف عنه فيلم وثائقي أعدته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي عن دور قذر كانت ولا زالت تلعبه دولة الإمارات في اليمن، ونفته حكومة أبو ظبي رغم الدلائل التي تضمنها الوثائقي.
القصة بدأت في العام 2015 حينما استنجد رئيس دولة اليمن السابق عبدربه منصور هادي بالسعودية لإنقاذ بلاده من الزحف الحوثي الرامي لاحتلال كُل الأراضي اليمنية بما فيها عدن الواقعة على حدود بلاد الحرمين.
فما كان من المملكة إلا أن تدخلت على الفور لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه ودشنت ما يُعرف بتحالف دعم الشرعية تحت قيادتها.
بعدها انضمت دولة الإمارات العربية المُتحدة للتحالف الذي أعدته المملكة لوقف الزحف الحوثي المدعوم من “إيران” العدو اللدود للخليج العربي.
ولكن “عيال زايد” كما يُحب قيادات الإمارات أن يُطلق عليهم، كان لهم مُخططات أخرى بعيدا عن أهداف تحالف السعودية الرامي فقط لإعادة الشرعية في اليمن والقضاء نهائيًا على الحوثيين.
فبلاد اليمن تحتضن أيضًا بجانب الحوثيين كيان سياسي آخر تعتبره الإمارات عدوها الأبدي وأنفقت من أجل محاولة القضاء عليه الغالي والنفيس.
هذا الكيان هو حزب الإصلاح.. فرع الإخوان المُسلمين في اليمن.
من هُنا بدأت القصة؟
بدأت الإمارات (حسب تقرير بي بي سي) في تجنيد مُرتزفة لتنفيذ عمليات اغتيالات واسعة بدوافع سياسية في اليمن.
ومن أجل هذا الهدف تعاونت أبو ظبي مع شركة عسكرية أمريكية خاصة تُدعى سبير وأنفقت في سبيل هدفها أكثر من 17 مليون دولار.
عناصر ومُرتزقة هذه الشركة الأمريكية سبير تولوا في البداية تنفيذ مُخططات أبوظبي في اليمن بأنفسهم وقاموا بالفعل بتنفيذ عشرات الاغتيالات تحت مظلة مُكافحة الإرهاب.
وبعد أن تولت دولة الإمارات المسؤولية الأمنية في جنوب اليمن نفذت عبر ميليشياتها 160 عملية اغتيال (تحت مظلة مُحاربة الإرهاب كما ذكرنا).
ولكن الغريب أن هذه العمليات الـ160 لم يكن بينهم سوى 23 شخصية فقط على علاقة بالإرهاب، أما الباقي فهُم نُشطاء وسياسيون وحقوقيون.
وعندما بدأت تنكشف مُشاركة المُرتزقة الأمريكان في اليمن وهو ما قد يضع الإمارات في وضع خطير للغاية دوليًا، قامت أبو ظبي على الفور بتحويل مُهمة المُرتزقة إلى مُهمة تدريب ضُباط إماراتيين، فالقانون الدولي ينص على أن قتل أي مدني من دون إجراءات قضائيّة يعتبر غير قانوني.
وبذلك تحولت مُهمة المُرتزقة الأمريكان من تنفيذ عمليات الاغتيال بأيديهم إلى تدريب يمنيين لتولي التنفيذ.
(الأخطر لم يأتي بعد!)
(بي بي سي) تمكنت من الوصول إلى أحد الأشخاص المتورطين في تنفيذ عمليات الاغتيال الإماراتية في أحد مطاعم لندن عام 2020.
هذا الشخص، هو إسحق جيلمور وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية (الأميركيّة)، وأصبح الرجل الثاني في مجموعة سبير المُتعاونة والمُنفذة لعمليات الاغتيال في اليمن بأوامر إماراتية.
ذكر جيلمور أنه تلقى أموالاً من دولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ عمليات اغتيال، لكن رفض التحدث عن أيٍّ من الأفراد الذين وردت أسماؤهم على لائحة تصفيات مجموعة سبير، التي وضعتها الإمارات.
باستثناء شخص يُدعى أنصاف مايو، وهو نائب يمنيّ كان زعيم حزب الإصلاح الإخواني في عدن المدينة الجنوبيّة التي أصبحت العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية منذ انقلاب الحوثي وسيطرتهم على اصنعاء.
المُرتزق إسحق غيلمور برر قيامه هو مجموعته باغتيال شخصيات ليست على لائحة التصنيف الأمريكي للتنظيمات الإرهابية بالقول إن من يُعتبر قياديًّا مدنيًّا أو رجل دين عند البعض، يكون قياديًّا إرهابيًّا عند البعض الآخر.
وذكر أيضًا أن مُهمتهم انتهت في العام 2016 إلا أن الاغتيالات في الجنوب بعد هذا التاريخ لم تتوقف بل ارتفعت وتيرتها بعد تدريبهم عناصر أمنية إماراتية في قاعدة عسكرية تُسيطر عليها أبو ظبي جنوب اليمن
الأدهى والأمر من ذلك، هو التكتيك المُستخدم في عمليات الاغتيال والذي كشف عن الكثير والكثير من الإيضاحات والتفسيرات.
فعمليات الاغتيال التي نُفذت بعد 2016 (أي بعد انتهاء مُهمة المُرتزقة الأمريكان في اليمن) هي نفس التكتيكات التي كان يستخدمها عناصر سبير في تنفيذ عملياتهم القذرة.
وهو تكتيك يقوم على تفجير عبوة ناسفة بهدف صرف الانتباه، يتبعه قتل الهدف بإطلاق النار المُباشر عليه، ما يؤكد أن من قاموا بعمليات ما بعد 2016 هُم من تدربوا على أيدي مُرتزقة سبير (أي الإماراتيين).
من الواضح أن هذه العمليات كانت مُهمة لدى أبو ظبي وتعتبرها أولوية في اليمن لدرجة أنها عرضت على رجل مُعتقل في أحد سجونها بالإفراج عنه مُقابل القيام باغتيال شخصية سياسية يمنية رفيعة المستوى ولكنه رفض.
لم تتوقف دولة الإمارات العربية المُتحدة عند ذلك الأمر، وزادت من صب الزيت على النار في اليمن، من خلال تقنين عمليات الاغتيال التي تقوم بها، بتشكيل كيان سياسي يُسمى المجلس الانتقالي الجنوبي لا يتبع الحكومة الشرعية ولا يأتمر بأوامرها، وهو ما زاد من الصراعات في الجنوب.
لم يكن تدريب عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي مُقتصرًا على القتال في الجبهات الأماميّة ضد الحوثيين فقط، بل شكلت أبو ظبي قوة مُسلحة تابعة للمجلس تُسمى “النُخبة لمُكافحة الإرهاب” تستهدف من خلالها تنفيذ عمليات الاغتيال.. الهدف الأسمى لعيال زايد في اليمن.
الغريب في الأمر أن المجلس الانتقالي الجنوبي ونُخبته الذين شكلتهم الإمارات على أساس مواجهة الإرهاب، كان من بينهم (حسب تحقيق البي بي سي) أحد عشَر إسمًا لعناصر سابقين في تنظيم القاعدة يعملون حاليًّا لصالح وحدة النخبة في المجلس الانتقالي الجنوبي.
منهم على سبيل المثال “ناصر الشّيبا” الذي كان مسؤولًا عمليّاتيًّا رفيع المستوى في القاعدة، وكان مسجونًا بتُهم إرهاب ثمّ أفرج عنه، وكان أيضًا ضمن المتّهمين المعروفين في الهجوم على البارجة الأميركية USS Cole الذي أدّى في شهر أكتوبر عام 2000 إلى مقتل سبعة عشر من مشاة البحريّة الأميركية.
اليوم أصبح هذا الرجل الشيبا قائدًا في ميليشيات المجلس الانتقالي (أي إرهابي عُين قائد قوات عسكرية تواجه الإرهاب!؟)
واقعة اغتيال ورسالة موت
وفي إحدى وقائع الاغتيال التي قامت بها ميليشيات الإمارات في اليمن، تسبب فضح مُحامية تُدعى هُدى الصراري للجرائم التي ترتكبتها قوات مدعومة من أبوظبي في أن يدفع أحد أبنائها حياته ثمنًا لجراءة والدته.
فقد قُتل ابنَها ويُدعى مُحسن البالغَ من العمر ثمانية عشر عامًا، بإطلاق نار في صدره في شهر مارس 2019 بينما كان متوجّهًا إلى محطة وقود في المنطقة، وفارق الحياة بعدها بشهر واحد.
وبعد عودة هدى إلى مزاولة العمل في أعقاب مقتل ولدها، تلقّت بدورها رسائل تتضمّن تحذيرًا بضرورة التراجع، وقد جاء في واحدة من تلك الرسائل “ألم يكن موتُ ولدٍ واحد كافيًا؟ هل تريديننا أن نقتل الثاني”.
تحقيقات إضافيّة قام بها المدّعي العام في عدن توصلت إلى أنّ محسن قُتِل على يد أحد عناصر وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب التي تشرف عليها الإمارات، ولكن السلطات لم تستكمل إجراءات الملاحقة قضائيًّا، لأسبب ظلت خفية إلى حدًا كبير لا يعرفها أحد.
إلا أن موظّفين في مكتب المدّعي العام في عدن تحدثوا عن أن الخوف من القتل والتصفية هو السبب وراء التوقف عن مُلاحقة المُتورطين في جرائم الاغتيال بالعاصمة المؤقتة عدن، بعدما خلقت هذه الحوادث جوًّا من الذعر أدّى إلى شعورهم بالخوف من المُضي في طلب العدالة في القضايا التي تتعلّق بالقوات المدعومة من الإمارات.
الأكثر إثارة في الأمر هو كشف البي بي سي عن أن المُرتزقة الأمريكان المعروفين بمجموعة أو شركة سبير ظلوا يتلقون دفعات مالية حتى العام 2020 رغم أن مُهمتهم انتهت في 2016، وهو ما عجزت بي بي سي عن الإجابه عنه رغم تواصلها مع مؤسس سبير؟
فهل لديكم أنتم تفسير لاستمرار دفع الإمارات المال للمرتزقة الأمريكان لمدة 4 سنوات من بعد انتهاء مُهمتهم؟ ننتظر إجاباتكم في التعليقات.